responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 24  صفحه : 412
إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ
أَيْ بَصِيرٌ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ سَرَائِرِكُمْ، وَإِنَّهُ فَاضِحُكُمْ لَا مَحَالَةَ وَمُجَازِيكُمْ عَلَى نِفَاقِكُمْ.
أَمَّا قَوْلُهُ: قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ فَاعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى صَرَفَ الْكَلَامَ عَنِ الْغَيْبَةِ إِلَى الْخِطَابِ عَلَى طَرِيقَةِ الِالْتِفَاتِ، وَهُوَ أَبْلَغُ فِي تَبْكِيتِهِمْ فَإِنْ تَوَلَّوْا يَعْنِي إِنْ تَوَلَّوْا عَنْ طَاعَةِ اللَّه وَطَاعَةِ رَسُولِهِ فَإِنَّمَا عَلَى الرَّسُولِ مَا حُمِّلَ مِنْ تَبْلِيغِ الرِّسَالَةِ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ مِنَ الطَّاعَةِ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا أَيْ تُصِيبُوا الْحَقَّ وَإِنْ عَصَيْتُمُوهُ فَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ، وَالْبَلَاغُ بِمَعْنَى التَّبْلِيغِ، وَالْمُبِينُ الْوَاضِحُ، وَالْمُوَضِّحُ لِمَا بِكُمْ إِلَيْهِ الْحَاجَةُ، وَعَنْ نَافِعٍ أَنَّهُ قَرَأَ فَإِنَّما عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَالتَّخْفِيفِ أَيْ فَعَلَيْهِ إثم ما حمل من المعصية.

[سورة النور (24) : آية 55]
وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (55)
[في قَوْلُهُ تَعَالَى وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ] اعْلَمْ أَنَّ تَقْدِيرَ النَّظْمِ بَلِّغْ أَيُّهَا الرَّسُولُ وَأَطِيعُوهُ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ، فَقَدْ وَعَدَ اللَّه الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَيِ الَّذِينَ جَمَعُوا بَيْنَ الْإِيمَانِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ أَنْ يَسْتَخْلِفَهُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَجْعَلَهُمُ الْخُلَفَاءَ وَالْغَالِبِينَ وَالْمَالِكِينَ كَمَا اسْتَخْلَفَ عَلَيْهَا مَنْ قَبْلَهُمْ فِي زَمَنِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ وَغَيْرَهُمَا، وَأَنَّهُ يُمَكِّنُ لَهُمْ دِينَهُمْ وَتَمْكِينُهُ ذَلِكَ هُوَ أَنْ يُؤَيِّدَهُمْ بِالنُّصْرَةِ وَالْإِعْزَازِ وَيُبَدِّلَهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ مِنَ الْعَدُوِّ أَمْنًا بِأَنْ يَنْصُرَهُمْ عَلَيْهِمْ فَيَقْتُلُوهُمْ وَيَأْمَنُوا بِذَلِكَ شَرَّهُمْ، فَيَعْبُدُونَنِي آمِنِينَ لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَلَا يَخَافُونَ وَمَنْ كَفَرَ أَيْ مِنْ بَعْدِ هَذَا الْوَعْدِ وَارْتَدَّ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ.
وَاعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى بَيَانِ أَكْثَرِ الْمَسَائِلِ الْأُصُولِيَّةِ الدِّينِيَّةِ فَلْنُشِرْ إِلَى مَعَاقِدِهَا:
المسألة الْأُولَى: قَوْلُهُ تَعَالَى: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ سُبْحَانَهُ مُتَكَلِّمٌ لِأَنَّ الْوَعْدَ نَوْعٌ مِنْ أَنْوَاعِ الْكَلَامِ وَالْمَوْصُوفُ بِالنوع مَوْصُوفٌ بِالْجِنْسِ، وَلِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ مَلِكٌ مُطَاعٌ وَالْمَلِكُ الْمُطَاعُ لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ بِحَيْثُ يُمْكِنُهُ وَعْدَ أَوْلِيَائِهِ وَوَعِيدَ أَعْدَائِهِ فَثَبَتَ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ مُتَكَلِّمٌ.
المسألة الثَّانِيَةُ: الْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ سُبْحَانَهُ يَعْلَمُ الْأَشْيَاءَ قَبْلَ وُقُوعِهَا خِلَافًا لِهِشَامِ بْنِ الْحَكَمِ، فَإِنَّهُ قَالَ لَا يَعْلَمُهَا قَبْلَ وُقُوعِهَا وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ بِهِ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ أَخْبَرَ عَنْ وُقُوعِ شَيْءٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ إِخْبَارًا عَلَى التَّفْصِيلِ وَقَدْ وَقَعَ الْمُخْبَرُ مُطَابِقًا لِلْخَبَرِ وَمِثْلُ هَذَا الْخَبَرِ لَا يَصِحُّ إِلَّا مَعَ الْعِلْمِ.
المسألة الثَّالِثَةُ: الْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ سُبْحَانَهُ حَيٌّ قَادِرٌ عَلَى جَمِيعِ الْمُمْكِنَاتِ لِأَنَّهُ قَالَ: لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ ... وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً وَقَدْ فَعَلَ كُلَّ ذَلِكَ وَصُدُورُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ لَا يَصِحُّ إِلَّا مِنَ الْقَادِرِ عَلَى كُلِّ الْمَقْدُورَاتِ.
المسألة الرَّابِعَةُ: الْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ سُبْحَانَهُ هُوَ الْمُسْتَحِقُّ لِلْعِبَادَةِ لِأَنَّهُ قَالَ يَعْبُدُونَنِي، وَقَالَتِ الْمُعْتَزِلَةُ الْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ فِعْلَ اللَّه تَعَالَى مُعَلَّلٌ بِالْغَرَضِ لِأَنَّ الْمَعْنَى لِكَيْ يَعْبُدُونِي وَقَالُوا أَيْضًا الْآيَةُ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّهُ سُبْحَانَهُ يُرِيدُ الْعِبَادَةَ مِنَ الْكُلِّ، لِأَنَّ مَنْ فَعَلَ فِعْلًا لِغَرَضٍ فَلَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ مُرِيدًا لِذَلِكَ الْغَرَضِ.

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 24  صفحه : 412
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست